الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{سَيَقول لَكَ} إذا رجعت من الحديبية {المخلفون مِنَ الأعراب} هم الذين خلّفوا عن الحديبية وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدئل، وذلك أنه عليه السلام حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرًا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرًا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربًا، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا: يذهب إلى قوم غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فيقاتلهم وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة {شَغَلَتْنَآ أموالنا وَأَهْلُونَا} هي جمع أهل اعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس من يقوم بأشغالهم {فاستغفر لَنَا} ليغفر لنا الله تخلفنا عنك {يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ} تكذيب لهم في اعتذارهم وأن الذي خلفهم ليس ما يقولون، وإنما هو الشك في الله والنفاق فطلبهم الاستغفار أيضًا ليس بصادر عن حقيقة {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله شَيْئًا} فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا} ما يضركم من قتل أو هزيمة {ضَرّا} حمزة وعلي {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا} من غنيمة وظفر.{بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذلك في قُلُوبِكُمْ} زينه الشيطان {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} من علو الكفر وظهور الفساد {وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا} جمع بائر كعائذ وعوز من بار الشيء هلك وفسد أي وكنتم قومًا فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم، أو هالكين عند الله مستحقين لسخطه وعقابه {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا للكافرين} أي لهم فأقيم الظاهر مقام الضمير للإيذان بأن من لم يجمع بين الإيمانين: الإيمان بالله والإيمان برسوله، فهو كافر ونكّر {سَعِيرًا} لأنها نار مخصوصة كما نكر {نَارًا تلظى} [الليل: 14] {وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} يدبره تدبير قادر حكيم {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} يغفر ويعذب بمشيئته وحكمته وحكمته المغفرة للمؤمنين والتعذيب للكافرين {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} سبقت رحمته غضبه.{سَيَقول المخلفون} الذين تخلفوا عن الحديبية {إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ} إلى غنائم خيبر {لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كلام الله} {كَلِمَ الله}: حمزة وعلي أي يريدون أن يغيروا موعد الله لأهل الحديبية، وذلك أنه وعدهم أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئًا {قُل لَّن تَتَّبِعُونَا} إلى خيبر وهو إخبار من الله بعدم اتباعهم ولا يبدل القول لديه {كَذَلِكُمْ قال الله مِن قَبْلُ} من قبل انصرافهم إلى المدينة إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية دون غيرهم {فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} أي لم يأمركم الله به بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنيمة {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ} من كلام الله {إِلاَّ قَلِيلًا} إلا شيئًا قليلًا يعني مجرد القول.والفرق بين الإضرابين أن الأول رد أن يكون حكم الله أن لا يتّبعوهم وإثبات الحسد، والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى وصفهم بما هو أطم منه وهو الجهل وقلة الفقه.{قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب} هم الذين تخلفوا عن الحديبية {سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني بني حنيفة قوم مسيلمة وأهل الردة الذين حاربهم أبو بكر رضي الله عنه لأن مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.وقيل: هم فارس وقد دعاهم عمر رضي الله عنه {تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ} أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام.ومعنى يسلمون على هذا التأويل ينقادون لأن فارس مجوس تقبل منهم الجزية، وفي الآية دلالة صحة خلافة الشيخين حيث وعدهم الثواب على طاعة الداعي عند دعوته بقوله: {فَإِن تُطِيعُواْ} من دعاكم إلى قتاله {يُؤْتِكُمُ الله أَجْرًا حَسَنًا} فوجب أن يكون الداعي مفترض الطاعة {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ} أي عن الحديبية {يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} في الآخرة {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} نفي الحرج عن ذوي العاهات في التخلف عن الغزو {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} في الجهاد وغير ذلك {يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار وَمَن يَتَوَلَّ} يعرض عن الطاعة {يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} {ندخله} و{نُعَذِّبُهُ} مدني وشامي. اهـ.
.قال ابن جزي: سورة الفتح:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.يحتمل هذا الفتح في اللغة أن يكون بمعنى الحكم، أي حكمنا لك على أعدائك، أو من الفتح بمعنى العطاء كقوله: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} [فاطر: 2] أو من فتح البلاد، واختلف في المراد بهذا الفتح على أربعة أقوال: الأول أنه فتح مكة وعده الله به قبل أن يكون، وذِكرُه بلفظ الماضي لتحققه، وهو على هذا بمعنى فتح البلاد، الثاني أنه ما جرى في الحديبية من بيعة الرضوان، ومن الصلح الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش، وهو على هذا بمعنى الحكم، أو بمعنى العطاء، ويدل على صحة هذا القول: أنه لما وقع صلح الحديبية، شق ذلك على بعض المسلمين لشروط كانت فيه، حتى أنزل الله هذه السورة، ويتبين أن ذلك الصلح له عاقبة محمود، وهذا هو الأصح؛ لأنه رُوي أنها لما نزلت قال بعض الناس: ما هذا الفتح وقد صدنا المشركون عن البيت؟ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل هو أعظم الفتوح، وقد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالروح، ورغبوا إليكم في الأمان، الثالث أنه ما أصاب المسلمون بعد الحديبية من الفتوح كفتح خيبر وغيرها، الرابع أنه الهداية إلى الإسلام ودليل هذا القول قوله: {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} فجعل الفتح علة للمغفرة، ولا حجة في ذلك إذ يتصور في الجهاد وغيره أن يكون علة للمغفرة أيضًا، أو تكون اللام، للصيرورة والعاقبة لا للتعليل؛ فيكون المعنى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} فكان عاقبة أمرك أن جمع الله لك بين سعادة الدنيا والآخرة؛ بأن غفر لك، وأتم نعمته عليك، وهداك ونصرك.{هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة} أي السكون والطمأنينة، يعني سكونهم في صلح الحديبية وتسليمهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: معناه الرحمة.{الظآنين بالله ظَنَّ السوء} معناه أنهم ظنوا أن الله يخذل المؤمنين وقالوا: لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدًا. وقيل: معناه أنهم لا يعرفون الله بصفاته، فذلك هو ظن السوء به، والأول أظهر بدليل ما بعده {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} يحتمل أن يكون خبرًا أو دعاء.{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} أي تشهد على أمتك {وَتُعَزِّرُوهُ} أي تعظموه وقيل: تنصرونه، وقرئ {تعززوه} بزايين منقوطتين، والضمير في {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} للنبي صلى الله عليه وسلم وفي تسبحوه لله تعالى، وقيل: الثلاثة لله.{إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} هذا تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم حيث جعل مبايعته بمنزلة مبايعة الله، ثم أكد هذا المعنى بقوله: {يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} وذلك على وجه التخييل والتمثيل، يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تعلو يد المبايعين له هي يد الله في المعنى، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة. وإنما المراد أن عقد ميثاق البيعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، كعقدة مع الله كقوله: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] وتأوّل المتأوّلون ذلك بأن يد الله معناها النعمة أو القوة، وهذا يعيد هنا ونزلت الآية في بيعة الرضوان تحت الشجرة وسنذكرها بعد {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} يعني أن ضرر نكثه على نفسه ويراد بالنكث هنا نقض البيعة.{سَيَقول لَكَ المخلفون مِنَ الأعراب} الآية: سماهم بالمخلفين، لأنهم تخلفوا عن عزوة الحديبية، والأعراب هم أهل البوادي من العرب، لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يعتمر، رأوا أنه يستقبل عدوًا كثيرًا من قريش وغيرهم، فقعدوا عن الخروج معه، ولم يكن إيمانهم متمكنًا، فظنوا أنه لا يرجع هو والمؤمنون من ذلك السفر ففضحهم الله في هذه السورة، وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، وأعلمه أنهم كاذبون في اعتذارهم {يَقولونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} يحتمل أن يريد قولهم: {شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} لأنهم كذبوا في ذلك، أو قولهم: {فاستغفر لَنَا} لأنهم قالوا ذلك رياء من غير صدق ولا توبة {قَوْمًا بُورًا} أي هالكين من البوار، وهو الهلاك ويعني به الهلاك في الدين.{سَيَقول المخلفون} الآية: أخبر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المخلفين عن غزوة الحديبية يريدون الخروج معه إذا خرجوا إلى غزوة أخرى، وهي غزوة خيبر، فأمر الله بمنعهم من ذلك، وأن يقول لهم: {لَّن تَتَّبِعُونَا} {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ الله} أي يريدون أن يبدلوا وعد الله لأهل الحديبية، وذلك أن الله وعدهم أن يعوضهم من غنيمة مكة غنيمة خيبر وفتحها، وأن يكون ذلك مختصًا بهم دون غيرهم، وأراد المخلفون أن يشاركوهم في ذلك، فهذا هو ما أرادوا من التبديل. وقيل: كلام الله قوله: {لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83]. وهذا ضعيف؛ لأن هذه الآية نزلت بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك بعد الحديبية بمدة {كذلكم قال الله مِن قَبْلُ} يريد وعده باختصاصه أهل الحديبية بغنائم خيبر {فَسَيَقولونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} معناه يعز عليكم أن نصيب معكم مالًا وغنيمة، وبل هنا للإضراب عن الكلام المتقدم وهو قوله: {لَّن تَتَّبِعُونَا كذلكم قال الله مِن قَبْلُ} فمعناها: ردٌ أن يكون الله حكم بأن لا يتبعوهم. وأما بل في قوله تعالى: {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلًا} فهي إضراب عن وصف المؤمنين بالحسد، وإثبات لوصف المخلفين بالجهل.{سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} اختُلِف في هؤلاء القوم على أربعة أقوال الأول: أنهم هوازن ومن حارب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر والثاني أنهم الروم إذ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتالهم في غزوة تبوك والثالث أنهم أهل الردة من بني حنيفة وغيرهم الذين قاتلهم أبو بكر الصديق والرابع أنهم الفرس ويتقوى الأول والثاني بأن ذلك ظهر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوّى المنذر بن سعيد القول الثالث بأن الله جعل حكمهم القتل أو الإسلام ولم يذكر الجزية، قال: وهذا لا يوجد إلا في أهل الردّة، قلت: وكذلك هو موجود في كفار العرب، إذ لا تؤخذ منهم الجزية فيقوِّي ذلك أنهم هوازن أو يسلمون عطف على تقاتلونهم وقال ابن عطية: هو مستأنف {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ} يريد في غزوة الحديبية.{لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ} الآية معناها أن الله تعالى عذر الأعمى والأعرج والمريض في تركهم للجهاد؛ لسبب أعذارهم. اهـ..قال البيضاوي: سورة الفتح مدنية نزلت في مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وآيها تسع وعشرون آية.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}.وعد بفتح مكة، والتعبير عنه بالماضي لتحققه أو بما اتفق له في تلك السنة كفتح خيبر وفدك، أو إخبار عن صلح الحديبية وإنما سماه فتحًا لأنه كان بعد ظهوره على المشركين حتى سألوا الصلح وتسبب لفتح مكة، وفرغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسائر العرب فغزاهم وفتح مواضع وأدخل في الإِسلام خلقًا عظيمًا، وظهر له في الحديبية آية عظيمة وهي أنه نزح ماؤها بالكلية فتمضمض ثم مجه فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه، أو فتح الروم فإنهم غلبوا الفرس في تلك السنة. وقد عرفت كونه فتحًا للرسول عليه الصلاة والسلام في سورة (الروم). وقيل الفتح بمعنى القضاء أي قضينا لك أن تدخل مكة من قابل.{لّيَغْفِرَ لَكَ الله} علة للفتح من حيث إنه مسبب عن جهاد الكفار والسعي في إزاحة الشرك وإعلاء الدين وتكميل النفوس الناقصة قهرًا ليصير ذلك بالتدريج اختيارًا، وتخليص الضعفة عن أيدي الظلمة.{مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه.{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة.{وَيَهْدِيَكَ صراطا مُّسْتَقِيمًا} في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرئاسة.{وَيَنصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا} نصرًا فيه عز ومنعة، أو يعز به المنصور فوصف بوصفه مبالغة.{هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة} الثبات والطمأنينة.{فِى قُلُوبِ المؤمنين} حتى ثبتوا حيث تقلق النفوس وتدحض الأقدام.{لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم} يقينًا مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفس عليها، أو نزل فيها السكون إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليزدادوا إيمانًا بالشرائع مع إيمانهم بالله واليوم الآخر.{لِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} يدبر أمرها فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع فيما بينهم السلم أخرى كما تقتضيه حكمته.{وَكَانَ الله عَلِيمًا} بالمصالح.{حَكِيمًا} فيما يقدر ويدبر.{لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} علة بما بعده لما دل عليه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} من معنى التدبير، أي دبر ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله فيه ويشكروها فيدخلهم الجنة ويعذب الكفار والمنافقين لما غاظهم من ذلك، أو {فَتَحْنَا} أو {أَنَزلَ} أو جميع ما ذكر أو {لِيَزْدَادُواْ}، وقيل إنه بدل منه بدل الاشتمال.{وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} يغطيها ولا يظهرها.{وَكَانَ ذلك} أي الإِدخال والتكفير.{عِندَ الله فَوْزًا عَظِيمًا} لأنه منتهى ما يطلب من جلب نفع أو دفع ضر، وعند حال من الفوز.{وَيُعَذّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} عطف على {يَدْخُلِ} إلا إذا جعلته بدلًا فيكون عطفًا على المبدل منه.{الظانين بالله ظَنَّ السوء} ظن الأمر السوء وهو أن لا ينصر رسوله والمؤمنين.{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} دائرة ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين لا يتخطاهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {دَائِرَةُ السوء} بالضم وهما لغتان، غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جرى مجرى الشر وكلاهما في الأصل مصدر {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} عطف لما استحقوه في الآخرة على ما استوجبوه في الدنيا، والواو في الأخيرين والموضع موضع الفاء إذ اللعن سبب للاعداد، والغضب سبب له لاستقلال الكل في الوعيد بلا اعتبار النسبية.{وَسَاءتْ مَصِيرًا} جهنم.{وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا}.{إِنَّا أرسلناك شَاهِدًا} على أمتك.{وَمُبَشّرًا وَنَذِيرًا} على الطاعة والمعصية.{لّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة، أو لهم على أن خطابه منزل منزلة خطابهم.{وَتُعَزّرُوهُ} وتقووه بتقوية دينه ورسوله {وَتُوَقّرُوهُ} وتعظموه.{وَتُسَبّحُوهُ} وتنزهوه أو تصلوا له.{بُكْرَةً وَأَصِيلًا} غدوة وعشيًا أو دائمًا. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو الأفعال الأربعة بالياء، وقرئ{تعزروه} بسكون العين و{تعزروه} بفتح التاء وضم الزاي وكسرها و{تعززوه} بالزاءين {وَتُوَقّرُوهُ} من أوقره بمعنى وقره.
|